> المنشورات > Passage au crible (arabe) > PAC 41 – سياسة الحد الأدنى الأوروبية في مواجهة القدافي

PAC 41 – سياسة الحد الأدنى الأوروبية في مواجهة القدافي الاتحاد الأوروبي, والأزمة الليبية

كتبه: فرانك بتيفل Franck Petiteville

ترجمه: خالد جهيمة Kaled Jhima

Passage au crible n°41

لقد اصطف الاتحاد الأوروبي, فيما يتعلق بالأزمة الليبية التي بدأت في ربيع 2011, شيئا فشيئا إلى جانب ثوار بنغازي, المطالبين برحيل العقيد القذافي, وقام بفرض عقوبات على نظامه, في 11 مارس 2011, واقترح عملية عسكرية لأغراض إنسانية في الأول من شهر أبريل.

نبذة تاريخية
الإطار النظري
تحليل
المراجع

نبذة تاريخية

اتفاقية مهمة الاتحاد الأوروبي في إدارة الصراعات الدولية قديمة قدم أول تجربة دبلوماسية من خلال التعاون السياسي الأوروبي , في السبعينيات, لكن اتفاقية ماستريخت رفعت مستوى طموحاته في إدارة الأزمات, بإنشائها البي أي إس سي (السياسة الخارجية, والأمن الجماعي), والتي بدت, من ناحية أخرى, عاجزة أمام الصراعات التي نشبت في يوغسلافيا السابقة (250000 قتيل).
إن إطلاق سياسة أوروبية دفاعية في عام 1999 قد منح الاتحاد الأوروبي شيئا فشيئا, آليات عسكرية لإدارة الأزمات, استُخدمت بخاصة في أفريقيا في سنوات العقد الأول من هذا القرن (تدخل في جمهورية الكونغو الديمقراطية في 2003, وفي تشاد في 2003, وعلى الشواطئ الصومالية في 2008 ـ2009).
كما أن تدخل الاتحاد الأوروبي في البحر الأبيض المتوسط, قديم أيضا, وقد عَرَف إطارات مختلفة في السنوات الخمس عشر الأخيرة؛ كآلية برشلونة, (1995), التي تعتمد على مجموعة من اتفاقيات التعاون الاقتصادي, ودعم التنمية, وسياسة الجوار, التي أطلقت في عام 2008.
لكن الاتحاد الأوروبي فوجئ بالربيع العربي, فكانت ردود أفعال دوله, في البداية غيرَ منسقة. ثم بدأ رؤساء الدول, والحكومات فيه, في إظهار موقف موحَّد في أثناء القمة الأوروبية الغير العادية, التي عقدت في 11 مارس 2011.والتي أكدوا فيها دعمهم الثورات العربية, وبخاصة فيما يتعلق بالتحول الديمقراطي في مصر, وفي تونس. أما فيما يتعلق بليبيا, فقد أدانوا, على العكسِ, القمع الذي أعلنه العقيد القذافي”غير الشرعي”, واعترفوا بـ “المجلس الوطني الانتقالي” الذي أسسه الثوار في بنغازي, باعتباره “محاورا شرعيا”. كما قام الاتحاد الأوروبي, دعما لقرارات مجلس الأمن, بتبني عقوبات ضد نظام القذافي (كالحصار على الأسلحة, والمنع من التأشيرة, وتجميد الأموال. إلخ.). لقد أبدى الاتحاد, بخاصة, نيته في منع النظام من جني أرباح صادرات النفط, والغاز. ثم تجاوز مرحلة جديدة في الأول من شهر أبريل, بوضع أساس قوة أوروبية خاصة بليبيا, للقيام بعملية عسكرية, في إطار البي إي إس سي (السياسة الخارجية, والأمن الجماعي), تهدف إلى تأمين المساعدات الإنسانية للنازحين بسبب النزاع, يمكن أن يطلبها مكتب الأمم المتحدة للأعمال الإنسانية.

الإطار النظري

لنمسك بِخَطي قوة اثنين
1ـ الأزمة الليبية باعتبارها اختبارا لوحدة السبع والعشرين دولة. يبدو مفهومُ سياسة خارجية أوروبية, من منظور النظرية الواقعية للعلاقات الدولية, غامضا؛ فالدول وحدها هي التي تتمتع, في الواقع, بمواصفات السياسة الخارجية, أي الاستقلال, والمصلحة الوطنية, والقوة العسكرية. لا تزال دول الاتحاد الأوروبي, في هذا السياق, مترددة في التنازل عن سيادتها فيما يتعلق بالسياسات العليا, على عكس ما هو حاصل في الجوانب الاقتصادية. لذا فإن الواقعيين لا يستغربون أن تعمل دول الاتحاد الأوروبي, كل على حدة, وأن تنظر كل منها إلى مصلحتها الوطنية أولا, في أثناء الأزمات الدولية, كما حصل عند الانقسام الأوروبي حول حرب العراق في عام 2003. يمكن للأزمة الليبية أن تعزز هذه الرؤية أيضا؛ لأن الأوروبيين لم يُظهروا موقفا موحدا, قويا جدا, وواضحا. بل على العكس تماما, إذ عملت الدبلوماسيات الأوروبية على انفراد؛ فقامت فرنسا نيكولا ساركوزي, وبريطانيا دفيد كمرون بفرض فكرة تدخل خارجي مسلح قبل الأوان. أما ألمانيا إنجيلا ميركل, فقد رفضت كل مخاطرة تقود إلى حرب, وامتنعت عن التصويت في 17 مارس ,2011 على قرار مجلس الأمن رقم 1973 المتعلق بفرض منطقة حضر جوي. كما واصلت إيطاليا برلسكوني, من جهتها, مماطلتها, منذ إعادة تأكيدها الصداقة الليبية الإيطالية, في بداية الأزمة, حتى التغيير الاضطراري مع بداية عمليات التحالف العسكرية في نهاية أبريل 2011.
2 ـ اختبار لمصداقية سياسة الاتحاد الأوروبي الخارجية بعد لشبونة. علقت كثير من الآمال, في السنوات الأخيرة, على الإمكانيات الجديدة في مجال السياسة الدفاعية الأوروبية المشتركة, وعلى آليات السياسة الخارجية الأوروبية التي أسست لها اتفاقية لشبونة, من مثل تسمية رئيس للمجلس الأوروبي, وممثل سام للسياسة الخارجية الأوروبية, والأمن, وإنشاء قسم أوروبي للعمل الخارجي. لكن لا يبدو أن إدارة الاتحاد الأوروبي الأزمةَ الليبية على هذا النحو, قد حققت هذه الآمال, فحلف شمال الأطلسي هو الذي يتولى, على المستوى العسكري, قصفَ قوات العقيد القذافي, وليس الاتحاد الأوروبي, ولم تجر تعبئة السياسة الدفاعية الأوروبية المشتركة, إلا على هامش الصراع , من أجل تنفيذ عملية ذات بعد إنساني محتملةٍ. أما على المستوى الدبلوماسي, فقد فعل هيرمان فان رومبوي, وكاثرين أشتون ما أمكنهما فعله, من أجل نقل المواقف الأوروبية إلى المسرح الدولي, لكن رؤيتها ظلت محدودة بسبب عدم تجاوز الحد أدنى من التوافق بين أعضاء الاتحاد الأوروبي. يبدو أن الأزمة الليبية قد أظهرت مرة أخرى الهوة بين الإمكانيات, والتوقعات الموجودة في الاتفاقيات الأوروبية, وفي خطاب الاتحاد الأوروبي الرسمي. أو بمعنى آخر, الهوة بين التوقعات التي يثيرها الاتحاد الأوروبي في الرأي العام, وبين إنجازاته الفعلية على المستوى الدولي.

تحليل

لقد دللت الثورات العربية, وبخاصة الليبية منها, على محدودية السياسة الأوروبية الخارجية؛ فالأوربيون تأخروا في التجاوب مع مطالب الشعب العربي الديمقراطية, واتخاذ موقف واضح يطالب الديكتاتوريين بالتنحي, كما فعل أوباما فيما يتعلق ببن على, ومبارك. أفرغت هذه الثورات المتتالية, في الواقع, سياسات التعاون التي روج لها الاتحاد الأوروبي في صالح البحر الأبيض المتوسط, منذ وقت طويل, من محتواها؛ فلم يكن نشر الديمقراطية في هذا الإقليم رهانا أساسيا من رهانات هذه السياسة, في يوم من الأيام (لم يتم تفعيل شرط الديمقراطية المدرَج في الاتفاقيات الأوروبية المتوسطية أبدا). من جهة أخرى, فقد بدا الخوف الأوروبي من الهجرة القادمة من المغرب, ومن أفريقيا الساحلية, الرهانَ الذي بنيت عليه السياسة الأوروبية دائما. كما زاد هذا الاهتمام بذلك بعد الثورات العربية, وبعد الأزمة الليبية.
لم يتوصل الأوربيون, إذن, إلى اتفاق جوهري, في ظل تدخل عسكري في ليبيا, من أجل إعطاء شكل للمبدإ الشهير “مسؤولية الحماية”. صحيح أن الاتحاد الأوروبي قد دعم قرارات مجلس الأمن الدولي المتتالية, وبخاصة ذاك المتعلق بفرض عقوبات على القذافي, وعلى إحالته إلى محكمة الجنايات الدولية, وأيضا ذاك المتعلق بفرض منطقة حضر جوي, كما اشترك, إلى جانب الجامعة العربية, والاتحاد الأفريقي, في محادثات مجموعة الاتصال حول مستقبل ليبيا . لكنه توارى, وهو يفعل ذلك كله, خلف مجلس الأمن, ونسبيا, خلف مبادرات بعض أعضائه (فرنسا, والمملكة المتحدة). أما على المستوى العسكري, فإن العرض الأوروبي بتدخل عسكري إنساني لا يمكن إهماله بالتأكيد, لكنه سيكون في النهاية عملية محدودة. ستترك إدارة الاتحاد الأوروبي الأزمةَ الليبية, إذن, ذكرى رد فعل متشبث بالحد الأدنى من القواسم المشتركة (عقوبات, عملية إنسانية) بين أعضاء منقسمين, مرة أخرى, حول شرعية اللجوء إلى القوة.

المراجع

Delcourt Barbara, Martinelli Marta, Klimis Emmanuel (Éds.), L’Union européenne et la gestion de crise, Bruxelles, éditions de l’Université de Bruxelles, 2008, 270 p
Petiteville Franck, « Les mirages de la politique étrangère européenne après Lisbonne », Critique internationale, avril-juin 2011, pp. 94-112