> المنشورات > Passage au crible (arabe) > PAC 13 – الضرورة تبيح المحضورة

PAC 13 – الضرورة تبيح المحضورة المؤتمر الأفغاني للمصالحة الوطنية، لندن الموافق 28 من الشهر الأول لعام 2010

مقال: ايرفي بيير Hervé Pierre

ترجمة : فؤاد القيسي

Passage au crible n°13

أعلن حامد كرزاي، في 28 من الشهر الأول لعام 2010، في مدينة لندن أمام ممثلي 70 دولة أنه “علينا أن نمد يدنا إلى أبناء وطننا، خصوصا إلى أخواننا الذين خُدعوا، والذين لا ينتمون إلى القاعدة، أو إلى أي تنظيم إرهابي آخر”. لقد بات خيار المصالحة، الذي بدأه الرئيس الأفغاني منذ عام 2003، والذي يُميِّز بين الصالحين والطالحين من طالبان، أولوية سياسية عام 2009 بالنسبة لكابول؛ وهو خيار ستتم ترجمته بعقد مجلس تقليدي موسع في ربيع عام 2010 ، وبتخصيص ميزانية تبلغ 358 مليون يورو؛ لردع الفقراء من الانضمام إلى المتمردين.

نبذة تاريخية
الإطار النظري
تحليل
المراجع

نبذة تاريخية

لقد أدى الاحتلال السوفيتي، الذي تلى سقوط الرئيس الأفغاني، إلى ظهور جماعات مقاومة -أثناء الحرب الباردة- دعمتها الولايات المتحدة.دعما كبيرا غير أن وحدة هذه الجماعات الجهادية لم تستمر بعد انسحاب الجيش الأحمر منذ عام 1989؛ فعمت الفوضى وأودى التنافس بين القادة بحياة العديد من المدنيين. لذا فقد قامت مجموعة من الطلاب، يزعمون إعادة النظام والعدالة عام ،1922 بالالتفاف حول المُلَّى عمر في المناطق القبلية الباكستانية؛ وحصدت النجاح العسكري تلو الآخر وبلغت ذروتها بالاستيلاء على كابول عام 1996.لكن هذا النظام الجديد، الذي لم يكن في بداياته معاديا للغرب، تطرف سريعا بعد اتصاله بابن لادن؛ فبنى برنامجا سياسيا مستندا على الشريعة، وحابي صراحة عرق البشتون.
أطاح حلف شمال الأطلسي–الذي تدعمه الولايات المتحدة- بحكومة طالبان عام 2001 التي سقطت سياسيا عام 2002 بعد سقوط قندهار؛ فأخذ المتمردون تدريجيا على عاتقهم الحكم عام 2003. هذه الجماعات المتمردة تتكون من عدد لا يحصى من المجموعات المتنافسة التي تتفق على مقاومة أي شكل من أشكال التدخل الخارجي؛ وتتباين توجهاتها فيما بينها تباينا كبيرا، كما لا يخفى حدة وصلابة مواقف بعض القادة الذين التحقوا بهذا الركب في وقت متأخر بعد انفصالهم عن طالبان. ألم تتحدت صحيفة الايكونومست عام 2003 لأول مرة عن طالبانية جديدة لوصف ما يجده بعض الباحثين، أمين ترازي مثلا، ظاهرة جديدة تماما.

الإطار النظري

الخطاب الأدائي، الذي يهدف لشيطنة الخصم، يخدم، للمفارقة، مصالح الفريقين المتواجهين في عراك مطلق. لكنه يقلل من فرص وجود وجهة نظر ثالثة تسعى للتمييز بين الصالح والطالح.
1. الخطاب الأدائي. أظهر ج.ل.أوستن أن بعض الخطابات لا تؤدي دورا وصفيا أو إخباريا، لكنها تشكل غاية في ذاتها. تفترض تسمية المتمردين الأفغانيين باسم طالبان أن هنالك وحدة على أرض الواقع بين مجموعات المقاتلين، وأنه يمكننا الربط تاريخيا بين الحركة التي أدارت أفغانستان بين عامي 1996 و 2001. أضف إلى ذلك أن الوزن العاطفي الذي يفوح به هذا المصطلح يعتبر سلاحا سياسيا يخدم مصالح الفريقين المتنافسين على حد سواء.
2. الشيطنة. يُنظر إلى المنافس كأنه كتلة واحدة متجانسة العناصر، ويتم تعريفه سلبيا، باعتباره مناقضا لنموذج آخر. تعد الرغبة في إعلاء شأن المرجعيات الخاصة – لجماعة أو فكرة ما- أساس هذه الرؤية الساذجة والمشوهة تجاه الواقع، التي قام روبرت جيرفس بتحليلها. كما تؤدي هذه الرؤية –لانعدام التعاطف فيها مع الطرف الآخر- إلى جحدان الأهمية، بل جحدان وجود عقلانية لدى الآخر. فالآخر، الذي حُصر في جوهر مفترض، يعكس صورة العدو المطلق، محفَّزِ الهموم، والأوهام، والمخاوف.

تحليل

لا شك في أن السعي إلى المصالحة عبر إعادة دمج فصيل من فصائل طالبان في اللعبة السياسية الوطنية يعد تطورا كبيرا يدلل على تقييم حاذق لهؤلاء المتمردين. كما أن هذه السياسية، إن تحققت فعلا، ستعلن موت طالبان حقيقة – بنقص المقاتلين- ومجازا باختفاء الخطابات الموحدة. لكن ثمة مشكلتين رئيسيتين تواجهان هذا التوجه.
1. عقيدة الحرب ضد الإرهاب. يدلل تشجيع سياسية مصالحة وطنية – كما يفهمه المؤثرون على المشهد السياسي الأفغاني- على ضعف الرئيس كرزاي لا على قوته. فالرئيس – الذي يعاني من تراجع شعبيته ومصداقيته بعد التزييف الذي تم في انتخابات الشهر الثامن من عام 2009- لا يحظى بعلاقات طيبة مع إدارة الرئيس أوباما. لذا فإن حتمال خفض عدد أفراد قوات التحالف بشكل كبير في أفق عام 2011 لا يترك له خيارات أخرى؛ فهو مجبور على زيادة إمكانياته البشرية. إن الجهاز التنفيذي الأفغاني لن يكتفي بنزع سلاح رجال العصابات، فهو يطمح في اكتساب قدرة تمكنه من قلب موازين القوى القائمة. هكذا تظهر المصالحة من أجل السلام تغريرا، أو حسابا سياسيا للرئيس كرزاي يهدف فقط إلى تقويته شخصيا في إطار حربي.
كما تبرر شيطنة العدو الحربَ المزمعة، وتبرر جمع الأموال، وتقوية الجيش، ويفترض فيها أن تجني دعم الرأي العام غير المشروط؛ لأنهم يواجهون عدوا داخليا متصلا بمجموعة مسلحة عالمية يديرها الملى عمر، وربما أسسها ابن لادن. أما بالنسبة للجانب الأمريكي، فقد اختارت هيلاري كلينتون استخدام ورقة الخوف من العودة إلى الانغلاق الديني، مفضلة بذلك جَوهَرة [تجميد] طالبان بدلا من الاعتراف لها بشيء من العقلانية. لكنها أعلنت في آخر المطاف، حتى تساند سياسة التقارب هذه، قائلة :”لا يجنح المرء إلى السلم مع أصدقائه”. إذن لا ترى الولايات المتحدة، التي شرعت بحرب ضد الإرهاب في العالم، سوى قسمين ينفيان بعضهما، ولا يتركان المجال لمنهج آخر بالوجود.
2. الرفض باعتباره مصدرا ناجعا. يمنح كل تنظيم أو عنصر هامشي نفسه منزلة كبيرة – بجهد بسيط – بوصف نفسه من طالبان على المستوى الداخلي؛ وقد تكون هذ المنزلة المكتسبة دون علاقة منطقية مع إمكانياته الحقيقية، لذا يدرج كثير من رجال العصابات في وادي تاجب صراعهم المحلي والنفعي ضمن تصور خيالي يتعدى حقيقة الصراع. لكن هذه الكذبة تعينهم لوجستيا وترفع من شأنهم. أما على المستوى العالمي، فيقوم قادة، الجهاد العالمي الذين يلجؤون إلى باكستان، بنشر أشكال عديدة من العنف الاجتماعي، وربطها بأسمائهم، واستغلالها بالتالي على الصعيد العالمي. فكم مرة رفض هؤلاء الذين يجعلون من حربهم ضد الغرب سلعة اقتراحات لندن جملة وتفصيلا؟ ألم يشر مجلس قيادة طالبان بوضوح يوم 28 من الشهر الأول إلى “أن محاولات العدو شراء المجاهدين بمنحهم المال وفرص العمل ليتركوا الجهاد محاولات فاشلة”؟
يخفي مشروع المصالحة الوطنية الأفغانية بصعوبة نقاط لُبسه الكثيرة؛ فهي سياسة ستلقى التشجيع وفقا للحسابات، وسيدعمها الجميع افتراضيا، لكن سترفضها الأطراف الرئيسة برمتها. لذا يظهر البيان الختامي لمؤتمر لندن شديد الدلالة في هذا السياق؛ لأنه لم يذكر كلمة المصالحة سوى مرة واحدة رغم النقاشات الطويلة.

المراجع

Tarzi Amin, Crews Robert D., The Taliban and The Crisis of Afghanistan, Cambridge, Harvard University Press, 2008
Austin John, Quand dire, c’est faire, trad., Paris, Seuil, 1970
Ledgard Jonathan, « Taking on The Warlords…», The Economist, 22 mai 2003.
Jervis Robert, Perception and Misperception in International Politics, Princeton, Princeton University Press, 1976